الاثنين، 22 سبتمبر 2014

بلد الهزائم المنسية و الإحتفالات الوطنية

بعد مشاهدة تقرير برنامج "يحدث في تونس" هذه الليلة على قناة باعث القناة حول الحالمين بعرش قرطاج، أقر أنا، المواطن البسيط، أنني أرى هزائم كثيرة على العتبات... أرى في عناوين الصحف صور المترشحين المبتسمين للعدسات.. تقارير كثيرة تحدثت عنهم و عن ثقتهم أن العرش قريب.. حوصرنا بالصور و الأخبار... و قفزت إلينا تحاليل المصادر المطلعة من كل الأزقة و الأرصفة...
إني أرى هزيمة كبيرة تقفز بخبث نحو أوراق ملف المترشح الحالم بالعرش... كان يحاول جاهدًا أن يبدو أصغر مما هو عليه، همس إلى المصوّر خفية وطلب إليه ان يأخذ الصورة من الزواية الأخرى لأن تجاعيد الخد الأيمن تبدو بارزة جدا.. أمضى على وصل الإستلام و تمنّى لو أن جسده المتهاوي يسعفه أياما إضافية تكفيه لأختبار دفء القصر البعيد... حاول أن يخفي إرتعاشة يده و هو يعدّل من بدلته الفاخرة مستعدا للرحيل.. لا تصريح للصحافة.. فلعلّ بعض الغموض ينجح في إصلاح ما أفسده خمول الجسد.
إنى أرى هزيمة عنيدة مثل نبتة برّية طلعت على حافة جدار إسمنتي، أراها تطلّ من رفّ المكتب أين قدم أحدهم ملف ترشحه به رزمة كبيرة من الأوراق و الشهائد.. واحدة تثبت سلامته العقلية و أخرى نظافة يده و وطنيته و أخرى تؤكد أنه رجل ذو حسب و نسب و كرم لم ينزل بأرضٍ عطشى إلا و إرتوى أهلها و أخرى تقول إنه وطني لم يتورط في أي خيانة سابقة و لم يحدث أن ركب حافلة دون أن يقتطع تذكرة الرحلة و لا شتم بوليسًا يومًا و لا الطقس الممطر إذا ما أمطرت في غير وقتها.. إنى أراه يبتسم للعدسة يفاخر بشهائده يتلمس بين الفينة و الأخرى ربطة عنقه يعدّل إعوجاجها..
إني أرى هزيمة كبيرة تترقب كذئب جائع بباب مكتب هيئة الإنتخابات المكتظ بجوقة المترشح الحالم بالكرسي... جاء إلى المكتب الفاخر بعد أن أغلق البوليس الطريق المارة من أمامه... فلا يجوز في هذه المزرعة أن يلتقي السلطان برعية يحلم بحكمها.. و لا يجب أن يلامس المترشح عرق الناس و تعبهم تحت شمس نهارٍ حار... أحاطت بالرجل جموع المصفقين من أهل حزبه و من غير أهله ممن إكتراهم بما تيسر من عطايا جزيلة و وعود كثيرة.. ليصفقوا ما أراد لهم الله أن يصفقوا حتى إذا ما قدّم الرجل المفدى ترشحه إنتشروا في الارض... 
إني أرى هزيمة ثقيلة كأنها ثور مصارعة هائج حوصر في زقاق إسباني.. تتربص بمترشح مزهو بوميض عدسات التصوير الكثيرة مفاخرٍ بعدد التزكيات الخرافي... و بين الفينة و الأخرى يرفع رأسه خلسة إلى أعلى الجدار.. يحلم أن يرى صورته معلقة بعد برهة في صدر المكتب، يباغته السؤال من صحفي هاوٍ :"هل من كلمة للشعب؟" يبتسم و يحدثهم أنه إستجاب لنداء الوطن و يشرح لهم عن أسباب ترشحه في خشوع كأنه يتلو نبوءة قديمة يتحدث كأنه الأفضل و الأجمل و الأبهى و الأحلى و الأشجع و الأكرم (و لم لا "الأجعب" إن شئتم).. ثم يرفع شارة النصر بأصابع مرتعشة و يغادر تحت حراسة مشددة.
إنه بلد الهزائم.. ينسى الناس مرارتها سريعا.. و تصير إحتفالا وطنيا.

الخميس، 18 سبتمبر 2014

العودة المدرسية في بلدتنا المنسية

ها قد عاد تلاميذنا إلى مدارسهم و إعدادياتهم و معاهدهم، و كلها بضعة أيام و ينطلق أولاد الكاف إلى كلياتهم و جامعاتهم.. بضعة أيام.. ترى خالتي مبروكة و ربح و حليمة و يمينة.. يحضرن زاد أولادهن.. ترى الآباء في الكاف يعيدون حسابات المال للمرة الآلف.. تُعطى فيها الأولية لابنه الذي يدرس في الجامعة البعيدة.. فلا كليات في الكاف.. و الطريق طويلة.. و الزاد قليل.. كلها بضعة أيام.. ينطلق أولاد الكاف إلى جامعاتهم و 
كلياتهم البعيدة في الأراضي التونسية المحظوظة المكتظة بالجامعات.. يتركون ورائهم.. جبال عالية.. أشباح تتمادى فوق الطرق المحفرة.. سنبلة قصديرية ترمز للقمح المنهوب.. شعار كُتب بخط أسود رديء يقول في مجمله "الكاف العالي.. يستحق التنمية" .. يتركون وراءهم.. أحزابا كاذبة تتحدث عن العدل بين الجهات.. و حصة كبرى من الميزانية لأرض تونس المنسية.. يتركون وراءهم.. أم حائرة.. أيكفيه المصروف المتواضع؟؟ و والد يحلم.." غدا يكبر ابني ويصير ما أشتهي".. لا أحد يعلم أن السلطان في بلدي و إن تغير ألف مرة.. لا يزال كما اللعنة على ارض الكاف.. لا يصب فيها إلا شروره و حقده و قيئه.. هذا ما سنرقبه أياما قليلة..

ما رقبناه اليوم هو و إعلان السادة في أرض الحظ .. هناك.. في عاصمة السلطان انطلاق الدراسة في المدارس البراقة عندهم.. خرجوا بربطات عنق فاخرة و وجوه لامعة.. و كأس ماء معدني بلا شوائب.. ليقولوا لنا "الأحوال بخير.. و كل المدارس بخير.. و كل التلاميذ بخير".. في ذات الوقت.. جلس الفتى في عمق ريف بومفتاح و سيدي أحمد الصالح و كبوش و صالح البحري..الفالتة.. قلعة سنان... المحجوبة... سيدي خيار.. سركونة.. سيدي رابح... جزّة... في مقعد متهالك.. يُسمع أزيز معدنه من خارج القسم المتهالك.. بين الفينة والأخرى يُصفّر الريح من الشقوق الكثيرة.. في مدارسنا بأرياف الكاف.. حضر الجميع هناك اليوم، يوم العودة.. أتى الفتى في ما تيسر من لباس جديد.. ومعه والده.. إصطفوا أمام تحية العلم.. و اكتشفوا أن المدرسة بلا معلّم.. فالسلطان - الذي حدثهم البارحة أن الأحوال بخير- لم يجد الوقت بعد لتعيين معلم في ريف يغرق في الفقر والبطالة... اليوم عاد كل تلميذ لمقعده.. أياما قليلة.. ونرى بضعة مقاعد في مدرسة منسية لا تزال بلا تلميذ يلتحق بها.. فُقد قبل نصف سنة في حادث برج العيفة.. على الطريق هناك.. يومها قال السلطان انه ثمة مشكلة.. و وعد بحلها.. نزلت أمطار أواخر الشتاء و مسحت الدم عن طريق الموت و من ذاكرة السلطان.. اليوم عاد تلاميذ الكاف الى مدارسهم.. تذكروا يا فتيتي.. انتم أمل هذه البلاد.. تذكروا.. يا فتيتي.. أنتم أمل البلاد و الوطن إن حكمها سلطان جاحد.. كونوا رجالا.. لا تكترثوا لصفير الرياح من شقوق المدارس المتهالكة.. و لا للوحل الكثير في الطريق نحو المدرسة و لا الموت المتربص بالشاحنة الخفيفة على طريق برج العيفة.. فقط.. القلم و الكتب و الكراس.. ستصيرون رجالا.. و سيصير الكاف أحلى بكم..